للشباب في حارتنا قُدرة عجيبة على الإقناع، ولهم أيضاً مهارات سحرية للتنظير.. ومن يراهم في الداويين والمناظر وهم يلوكون أوراق القات اللعينة ومنهمكين بإلقاء النصائح والإرشادات ويبرهنوا على كل كلامهم بالنظريات والقواعد، لا يصدق أنهم أنفسهم الذين يفترشون الكراتين في أحد أركان حارتنا الصغيرة مُشكلين سُفرة دائرية يلعبون فيها (الدُمنة) ولا تسمع منهم سوى كلمتين فقط (جلاء، خَمِس).
في مقيل عيدي قبل أيام، رأيتهم –أي شباب حارتنا- في حالة انسجام كامل وهم يعدون لائحة أساسية ونظام داخلي لنادي جديد في حارتنا يحمل اسم (نادي سام)، فعادت بي الذاكرة للعام 2002م، حينما قُمنا بتأسيس هذا النادي الذي لم يستمر لأكثر من خمسة أشهر فقط، ولهذا النادي حكاية مُضحكة مُبكية في آن واحد، سأحاول أن أسردها لكم من خلال الأسطر التالية:
في إحدى أيام العام 2002م، كنا وللتوّ قد اكتملنا من أداء الاختبارات النهائية، وبهذه المناسبة قررنا أن نعمل حفلة على طريقتنا الخاصة، المهم.. احتفلنا ووقعت (تخزينة جامدة) خرجنا منها بقرار تأسيس (نادي سام الاجتماعي الرياضي، والثقافي)، وكانت الفكرة صغيرة مثل عمرنا تماماً، حيث قُمنا باستئجار أو بالأصح تبرع لنا أحد الوجاهات في الحارة ببدروم منزله الكبير كدعم للنادي الجديد الذي لم نسعى لاستخراج ترخيص رسمي له ولا شيء آخر يُذكر، كانت تخزينة افتتحنا بعدها النادي على طول.
لم يكن فينا حب السيطرة أو حب التملُك واكتفينا نحن المؤسسين بأن نتولى فريق كرة القدم فقط، وتركنا ما تبقى لمن يرى في نفسه الكفاءة والقُدرة لذلك، وبعد التشاور حول أعضاء مجلس الإدارة قررنا تعيين عاقل حارتنا –أقسم لكم بأنه مجنون ولا يوجد معه ذرة عقل- رئيساً لمجلس الإدارة وثلاثة من المشايخ أعضاء مجلس الإدارة، ووالدي العزيز الصحافي اللامع قررنا تعيينه نائباً لرئيس مجلس إدارة النادي.. والغريب أننا لم نٌُشعر أحد بالتعيينات سوى عاقل الحارة فقط.
· على أي حال.. كنا نحن المؤسسين وأعضاء فريق كرة القدم (وائل عنسي، ياسر، محمد، حمير، حاشد، عبدالرقيب، عمر، بشير، خالد، الأفوكاتوا وليد، وأنا) شوية (أعفاط) شكلوا فريق كرة قدم، وقد تم تقسيم الفريق كالآتي: ((1)حارس –وكان شبيهاً بحارس جربة قات في ضلاع همدان لتوّه انتهى من عملية (ذبل القات) وللأسف كانت عملية قيصرية أثرّت عليه، (5) مدافعين –وكلما أتذكر دفاعهم المستميت وهم يتبادلون الشتائم واللعنات يُخيّل لي بأنهم يدافعون عن صنعاء عندما كادت أن تسقط بأيدي الملكيين عند خروج القوات المصرية من بلادنا عقب نكبة 67م، (2) وسط –وكانت أوساطهم تتهاوى عند وصول الكرة إليهم ولا فيفي عبده ونجوى فؤاد في عز الشباب، أما المدافعين فكانوا (3) وكان هجومهم مرعباً للغاية وكأنهم ينفذون هجوماً ليدكوا أوكار التمرد في جبال مرّان بمحافظة صعدة، أما الاحتياط فقد أوكلنا مهامهم للباعة المتجولين في السوق التجاري للحارة.
· وبعد الانتهاء من تشكيل الفريق، قمنا بتوجيه الدعوات لكل الفرق الصغيرة المجاورة لنا، وبدأنا نخوض المباراة تلو الأخرى، وأقسم لكم –أعزائي القراء- بأن علاقتنا بكرة القدم آنذاك –وحتى الآن- أشبه بعلاقتي بعلم الذرة.
المضحك في الأمر أننا وعلى مدى الخمسة الأشهر –وهي فترة بقاء النادي- لم نتعرض للخسارة مُطلقاً سوى مرة واحدة، وكان فوزنا يتم إعلانه بعد المباراة بعشرين دقيقة تقريباً، وهي المدة التي يُضرب خلالها الحكم والفريق الخصم، والمُثير للضحك أن حكم المباراة كان يُعلن نتيجة فوزنا من إحدى العيادات أو المستشفيات، وفي إحدى المرات أعلن فوزنا من العناية المركزة وهي المرة الوحيدة التي تدخل فيها رئيس مجلس إدارة النادي –عاقل الحارة- الذي ضرب الحكم وأطلق الرصاص الحي ليفرق الناس (المفارعين).. وهذا فريق وإلاّ بلاش من أبوها رياضة بالمرة.
أما بالنسبة للخسارة الوحيدة التي خسرنا فيها مباراة، فقد كانت من فريق لا يعرف أوليات اللعب، ولكنه فاز علينا (بالعفاطة أيضاً)، حيث حضر مع الفريق أكثر من مائة شاب من منطقتهم أوهمونا بأنهم مُشجعين وجماهير الفريق لا أكثر ولا أقل، لتكون المفاجأة.. قبل انتهاء المباراة باقتحام تلك الجماهير اللعينة الملعب وأوسعونا ضرباً، وعلى إثر هذا الضرب فقد بعضنا الوعي، وكانت تلك هي المباراة الوحيدة التي كان من الصواب فوزنا فيها، وهي ذات المُباراة التي أدت إلى إغلاق النادي واستبداله بديوان لا يزال يجمعنا وقت التخزينة إلى اليوم.
والآن وبعد كل تلك المآسي يفكر الشباب الجدد في حارتنا بإعادة أمجاد النادي ولكن بخطوات رسمية وبدماء جديدة، وجدت نفسي مضطراً لأروي لهم قصتنا نحن السابقون.. فهل يكونوا هم اللاحقون.. أتمنى لهم كل التوفيق.